فصل: أَذَانُ بِلَالٍ عَلَى الْكَعْبَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.دُخُولُ الْمَسْجِدِ:

ثُمّ نَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَلْفَهُ وَحَوْلَهُ حَتّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأَقْبَلَ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَفِي يَدِهِ قَوْسٌ وَحَوْلَ الْبَيْتِ وَعَلَيْهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتّونَ صَنَمًا فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِالْقَوْسِ وَيَقُولُ {جَاءَ الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الْإِسْرَاءَ: 81] {جَاءَ الْحَقّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سَبَأَ 49] وَالْأَصْنَامُ تَتَسَاقَطُ عَلَى وُجُوهِهَا.

.دُخُولُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَعْبَةَ:

وَكَانَ طَوَافُهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا يَوْمَئِذٍ فَاقْتَصَرَ عَلَى الطّوَافِ فَلَمّا أَكْمَلَهُ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ فَأَخَذَ مِنْهُ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ فَأَمَرَ بِهَا فَفُتِحَتْ فَدَخَلَهَا فَرَأَى فِيهَا الصّوَرَ وَرَأَى فِيهَا صُورَةَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ يَسْتَقْسِمَانِ بِالْأَزْلَامِ فَقَالَ قَاتَلَهُمْ اللّهُ وَاَللّهِ إنْ اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطّ وَرَأَى فِي الْكَعْبَةِ حَمَامَةً مِنْ عَيْدَانٍ فَكَسَرَهَا بِيَدِهِ وَأَمَرَ بِالصّوَرِ فَمُحِيَتْ. ثُمّ أَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ وَعَلَى أُسَامَةَ وَبِلَالٍ فَاسْتَقْبَلَ الْجِدَارَ الّذِي يُقَابِلُ الْبَابَ حَتّى إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَقَفَ وَصَلّى هُنَاكَ ثُمّ دَارَ فِي الْبَيْتِ وَكَبّرَ فِي نَوَاحِيهِ وَوَحّدَ اللّهَ ثُمّ فَتَحَ الْبَابَ وَقُرَيْشٌ قَدْ مَلَأَتْ الْمَسْجِدَ صُفُوفًا يَنْتَظِرُونَ مَاذَا يَصْنَعُ فَأَخَذَ بِعِضَادَتَيْ الْبَابِ وَهُمْ تَحْتَهُ فَقَالَ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ أَلَا كُلّ مَأْثُرَةٍ أَوْ مَالٍ أَوْ دَمٍ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيّ هَاتَيْنِ إلّا سِدَانَةَ الْبَيْتِ وَسِقَايَةَ الْحَاجّ أَلَا وَقَتْلُ الْخَطَإِ شِبْهُ الْعَمْدِ السّوْطُ وَالْعَصَا فَفِيهِ الدّيَةُ مُغَلّظَةً مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إنّ اللّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيّةِ وَتَعَظّمَهَا بِالْآبَاءِ النّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الْحُجُرَاتِ 13] ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مَا تَرَوْنَ أَنّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ قَالَ فَإِنّي أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطّلَقَاءُ.

.إبْقَاءُ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ فِي آلِ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ:

ثُمّ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ إلَيْهِ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَمِفْتَاحُ الْكَعْبَةِ فِي يَدِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اجْمَعْ لَنَا الْحِجَابَةَ مَعَ السّقَايَةِ صَلّى اللّهُ عَلَيْك فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْنَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ؟ فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ هَاكَ مِفْتَاحَكَ يَا عُثْمَانُ الْيَوْمَ يَوْمُ بِرّ وَوَفَاءٍ. وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطّبَقَاتِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ كُنّا نَفْتَحُ الْكَعْبَةَ فِي الْجَاهِلِيّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمًا يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ الْكَعْبَةَ مَعَ النّاسِ فَأَغْلَظْتُ لَهُ وَنِلْتُ مِنْهُ فَحَلُمَ عَنّي ثُمّ قَالَ يَا عُثْمَانُ لَعَلّك سَتَرَى هَذَا الْمِفْتَاحَ يَوْمًا بِيَدِي أَضَعُهُ حَيْثُ شِئْت فَقُلْتُ لَقَدْ هَلَكَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَئِذٍ وَذَلّتْ فَقَالَ بَلْ عَمَرَتْ وَعَزّتْ يَوْمَئِذٍ وَدَخَلَ الْكَعْبَةَ فَوَقَعَتْ كَلِمَتُهُ مِنّي مَوْقِعًا ظَنَنْتُ يَوْمَئِذٍ أَنّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَى مَا قَالَ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ قَالَ يَا عُثْمَانُ ائْتِنِي بِالْمِفْتَاحِ فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَأَخَذَهُ مِنّي ثُمّ دَفَعَهُ إلَيّ وَقَالَ خُذُوهَا خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلّا ظَالِمٌ يَا عُثْمَانُ إنّ اللّهَ اسْتَأْمَنَكُمْ عَلَى بَيْتِهِ فَكُلُوا مِمّا يَصِلُ إلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ بِالْمَعْرُوفِ قَالَ فَلَمّا وَلّيْت نَادَانِي فَرَجَعْتُ إلَيْهِ فَقَالَ أَلَمْ يَكُنْ الّذِي قُلْتُ لَكَ؟ قَالَ فَذَكَرْت قَوْلَهُ لِي بِمَكّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ لَعَلّك سَتَرَى هَذَا الْمِفْتَاحَ بِيَدِي أَضَعُهُ حَيْثُ شِئْت فَقُلْتُ بَلَى أَشْهَدُ أَنّكَ رَسُولُ اللّهِ وَذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ أَنّ الْعَبّاسَ تَطَاوَلَ يَوْمَئِذٍ لِأَخْذِ الْمِفْتَاحِ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَرَدّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ.

.أَذَانُ بِلَالٍ عَلَى الْكَعْبَةِ:

وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِلَالًا أَنْ يَصْعَدَ فَيُؤَذّنَ عَلَى الْكَعْبَةِ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَعَتّابُ بْنُ أَسِيدٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَأَشْرَافُ قُرَيْشٍ جُلُوسٌ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ عَتّابٌ لَقَدْ أَكْرَمَ اللّهُ أَسِيدًا أَلّا يَكُونَ سَمِعَ هَذَا فَيَسْمَعَ مِنْهُ مَا يُغِيظُهُ فَقَالَ الْحَارِثُ أَمَا وَاَللّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنّهُ حَقّ لَاتّبَعْته فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَمَا وَاَللّهِ لَا أَقُولُ شَيْئًا لَوْ تَكَلّمْت لَأَخْبَرَتْ عَنّي هَذِهِ الْحَصْبَاءُ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُمْ قَدْ عَلِمْتُ الّذِي قُلْتُمْ ثُمّ ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ فَقَالَ الْحَارِثُ وَعَتّابٌ نَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ وَاَللّهِ مَا اطّلَعَ عَلَى هَذَا أَحَدٌ كَانَ مَعَنَا فَنَقُولَ أَخْبَرَك.

.فصل صَلَاةُ الْفَتْحِ:

ثُمّ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَارَ أُمّ هَانِئِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ فَاغْتَسَلَ وَصَلّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ فِي بَيْتِهَا وَكَانَتْ ضُحًى فَظَنّهَا مَنْ ظَنّهَا صَلَاةَ الضّحَى وَإِنّمَا هَذِهِ صَلَاةُ الْفَتْحِ وَكَانَ أُمَرَاءُ الْإِسْلَامِ إذَا فَتَحُوا حِصْنًا أَوْ بَلَدًا صَلّوْا عَقِيبَ الْفَتْحِ هَذِهِ الصّلَاةَ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِي الْقِصّةِ مَا يَدُلّ عَلَى أَنّهَا بِسَبَبِ الْفَتْحِ شُكْرًا لِلّهِ عَلَيْهِ فَإِنّهَا قَالَتْ مَا رَأَيْتُهُ صَلّاهَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا.

.إجَارَةُ أُمّ هَانِئٍ حَمَوَيْنِ لَهَا:

وَأَجَارَتْ أُمّ هَانِئٍ حَمَوَيْنِ لَهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمّ هَانِئٍ.

.فصل مَنْ أَمَرَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَتْلِهِمْ:

ولَمّا اسْتَقَرّ الْفَتْحُ أَمّنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ كُلّهُمْ إلّا تِسْعَةَ نَفَرٍ فَإِنّهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ وَإِنْ وُجِدُوا تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَعَبْدُ الْعُزّى بْنُ خَطَلٍ وَالْحَارِثُ بْنُ نُفَيْلِ بْنِ وَهْبِ وَمَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ وَهَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَقَيْنَتَانِ لِابْنِ خَطَلٍ كَانَتَا تُغَنّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَارَةُ مَوْلَاةٌ لِبَعْضِ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ.

.ابْنُ أَبِي السّرْحِ:

فَأَمّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَأَسْلَمَ فَجَاءَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ فَاسْتَأْمَنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَبِلَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ أَمْسَكَ عَنْهُ رَجَاءَ أَنْ يَقُومَ إلَيْهِ بَعْضُ الصّحَابَةِ فَيَقْتُلُهُ وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ وَهَاجَرَ ثُمّ ارْتَدّ وَرَجَعَ إلَى مَكّةَ.

.عكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ:

وَأَمّا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فَاسْتَأْمَنَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ بَعْدَ أَنْ فَرّ فَأَمّنَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَدِمَ وَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ. أَمّا ابْنُ خَطَلٍ وَالْحَارِثُ وَمَقِيسٌ وَإِحْدَى الْقَيْنَتَيْنِ فَقُتِلُوا وَكَانَ مَقِيسٌ قَدْ أَسْلَمَ ثُمّ ارْتَدّ وَقَتَلَ وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ وَأَمَا هَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ فَهُوَ الّذِي عَرَضَ لِزَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ هَاجَرَتْ فَنَخَسَ بِهَا حَتّى سَقَطَتْ عَلَى صَخْرَةٍ وَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا فَفَرّ ثُمّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ. وَاسْتُؤْمِنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِسَارَةَ وَلِإِحْدَى الْقَيْنَتَيْنِ فَأَمّنَهُمَا فَأَسْلَمَتَا.

.خُطْبَةُ الْفَتْحِ:

فَلَمّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّاسِ خَطِيبًا فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجّدَهُ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ إنّ اللّهَ حَرّمَ مَكّةَ يَوْمَ خَلَقَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا يَحِلّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ فِيهَا دَمًا أَوْ يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُولُوا: إنّ اللّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنّمَا حَلّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ فَلْيُبَلّغْ الشّاهِدُ الْغَائِبَ.

.إيثَارُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ عَلَى مَكّةَ:

وَلَمّا فَتَحَ اللّهُ مَكّةَ عَلَى رَسُولِهِ وَهِيَ بَلَدُهُ وَوَطَنُهُ وَمَوْلِدُهُ قَالَ الْأَنْصَارُ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَتَرَوْنَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ أَرْضَهُ وَبَلَدَهُ أَنْ يُقِيمَ بِهَا وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الصّفَا رَافِعًا يَدَيْهِ؟ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ دُعَائِهِ قَالَ مَاذَا قُلْتُمْ؟ قَالُوا: لَا شَيْءَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتّى أَخْبَرُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَاذَ اللّهِ الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ.

.مَنْ هَمّ بِقَتْلِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

وَهُمْ فَضَالَةُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ الْمُلَوّحِ أَنْ يَقْتُلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَلَمّا دَنَا مِنْهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَفَضَالَةُ؟ قَالَ نَعَمْ فَضَالَةُ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ مَاذَا كُنْتَ تُحَدّثُ بِهِ نَفْسَك؟ قَالَ لَا شَيْءَ كُنْتُ أَذْكُرُ اللّهَ فَضَحِكَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ اسْتَغْفِرْ اللّهَ ثُمّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ فَسَكَنَ قَلْبُهُ وَكَانَ فَضَالَةُ يَقُولُ وَاَللّهِ مَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ صَدْرِي حَتّى مَا خَلَقَ اللّهُ شَيْئًا أَحَبّ إلَيّ مِنْه قَالَ فَضَالَةُ فَرَجَعْتُ إلَى أَهْلِي فَمَرَرْتُ بِامْرَأَةٍ كُنْتُ أَتَحَدّثُ إلَيْهَا فَقَالَتْ هَلُمّ إلَى الْحَدِيثِ فَقُلْت: لَا وَانْبَعَثَ فَضَالَةُ يَقُولُ:
قَالَتْ هَلُمّ إلَى الْحَدِيثِ فَقُلْتُ ** لَا يَأْبَى عَلَيْك اللّهُ وَالْإِسْلَامُ

لَوْ قَدْ رَأَيْتِ مُحَمّدًا وَقَبِيلَهُ ** بِالْفَتْحِ يَوْمَ تُكَسّرُ الْأَصْنَامُ

لَرَأَيْتِ دِينَ اللّهِ أَضْحَى بَيّنًا ** وَالشّرْكُ يَغْشَى وَجْهَهُ الْإِظْلَامُ

.فِرَارُ صَفْوَانَ وَعِكْرِمَةَ:

وَفَرّ يَوْمَئِذٍ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فَأَمّا صَفْوَانُ فَاسْتَأْمَنَ لَهُ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمّنَهُ وَأَعْطَاهُ عِمَامَتَهُ الّتِي دَخَلَ بِهَا مَكّةَ فَلَحِقَهُ عُمَيْرٌ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ الْبَحْرَ فَرَدّهُ فَقَالَ اجْعَلْنِي فِيهِ بِالْخِيَارِ شَهْرَيْنِ فَقَالَ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.

.إسْلَامُ زَوْجَةِ عِكْرِمَةَ:

وَكَانَتْ أُمّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ فَأَسْلَمَتْ وَاسْتَأْمَنَتْ لَهُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمّنَهُ فَلَحِقَتْ بِهِ بِالْيَمَنِ فَأَمّنَتْهُ فَرَدّتْهُ وَأَقَرّهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ وَصَفْوَانُ عَلَى نِكَاحِهِمَا الْأَوّلِ. ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَمِيمَ بْنَ أَسِيدٍ الْخُزَاعِيّ فَجَدّدَ أَنْصَابَ الْحَرَمِ.

.كَسْرُ الْأَوْثَانِ:

وَبَثّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرَايَاهُ إلَى الْأَوْثَانِ الّتِي كَانَتْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ فَكُسّرَتْ كُلّهَا مِنْهَا اللّاتُ وَالْعُزّى وَمَنَاةُ الثّالِثَةُ الْأُخْرَى وَنَادَى مُنَادِيهِ بِمَكّةَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدَعْ فِي بَيْتِهِ صَنَمًا إلّا كَسَرَهُ.

.هَدْمُ خَالِدٍ لِلْعُزّى:

فَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى الْعُزّى لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِيَهْدِمَهَا فَخَرَجَ إلَيْهَا فِي ثَلَاثِينَ فَارِسًا مِنْ أَصْحَابِهِ حَتّى انْتَهَوْا إلَيْهَا فَهَدَمَهَا ثُمّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ هَلْ رَأَيْتَ شَيْئًا؟ قَالَ لَا قَالَ فَإِنّكَ لَمْ تَهْدِمْهَا فَارْجِعْ إلَيْهَا فَاهْدِمْهَا فَرَجَعَ خَالِدٌ وَهُوَ مُتَغَيّظٌ فَجَرّدَ سَيْفَهُ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ عَجُوزٌ عُرْيَانَةُ سَوْدَاءُ نَاشِرَةُ الرّأْسِ فَجَعَلَ السّادِنُ يَصِيحُ بِهَا فَضَرَبَهَا خَالِدٌ فَجَزَلَهَا بِاثْنَتَيْنِ وَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ نَعَمْ تِلْكَ الْعُزّى وَقَدْ أَيِسَتْ أَنْ تُعْبَدَ فِي بِلَادِكُمْ أَبَدًا وَكَانَتْ بِنَخْلَةَ وَكَانَتْ لِقُرَيْشٍ وَجَمِيعِ بَنِي كِنَانَةَ وَكَانَتْ أَعْظَمَ أَصْنَامِهِمْ وَكَانَ سَدَنَتُهَا بَنِي شَيْبَانَ.

.هَدْمُ ابْنِ الْعَاصِ لِسُوَاعٍ:

ثُمّ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إلَى سُوَاعٍ وَهُوَ صَنَمٌ لِهُذَيْلٍ لِيَهْدِمَهُ قَالَ عَمْرٌو: فَانْتَهَيْتُ إلَيْهِ وَعِنْدَهُ السّادِنُ فَقَالَ مَا تُرِيدُ؟ قُلْتُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَهْدِمَهُ فَقَالَ لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ قُلْت: لِمَ؟ قَالَ تُمْنَعُ. قُلْتُ حَتّى الْآنَ أَنْتَ عَلَى الْبَاطِلِ وَيْحَك فَهَلْ يَسْمَعُ أَوْ يُبْصِرُ؟ قَالَ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَكَسَرْته وَأَمَرْتُ أَصْحَابِي فَهَدَمُوا بَيْتَ خِزَانَتِهِ فَلَمْ نَجِدْ فِيهِ شَيْئًا ثُمّ قُلْتُ لِلسّادِنِ كَيْفَ رَأَيْتَ؟ قَالَ أَسْلَمْتُ لِلّهِ.

.هَدْمُ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ الْأَشْهَلِيّ لِمَنَاةَ:

ثُمّ بَعَثَ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ الْأَشْهَلِيّ إلَى مَنَاةَ وَكَانَتْ بِالْمُشَلّلِ عِنْد قُدَيْدٍ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَغَسّانَ وَغَيْرِهِمْ فَخَرَجَ فِي عِشْرِينَ فَارِسًا حَتّى انْتَهَى إلَيْهَا وَعِنْدَهَا سَادِنٌ فَقَالَ السّادِنُ مَا تُرِيدُ؟ قُلْتُ هَدْمَ مَنَاةَ قَالَ أَنْتَ وَذَاكَ فَأَقْبَلَ سَعْدٌ يَمْشِي إلَيْهَا وَتَخْرُجُ إلَيْهِ امْرَأَةٌ عُرْيَانَةُ سَوْدَاءُ ثَائِرَةُ الرّأْسِ تَدْعُو بِالْوَيْلِ وَتَضْرِبُ صَدْرَهَا فَقَالَ لَهَا السّادِنُ مَنَاةُ دُونَك بَعْضَ عُصَاتِك فَضَرَبَهَا سَعْدٌ فَقَتَلَهَا وَأَقْبَلَ إلَى الصّنَمِ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ فَهَدَمَهُ وَكَسَرُوهُ وَلَمْ يَجِدُوا فِي خِزَانَتِهِ شَيْئًا.

.ذِكْرُ سَرِيّةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلَى بَنِي جُذَيْمَةَ:

قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَلَمّا رَجَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ هَدْمِ الْعُزّى وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقِيمٌ بِمَكّةَ بَعَثَهُ إلَى بَنِي جُذَيْمَةَ دَاعِيًا إلَى الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلًا فَخَرَجَ فِي ثَلَاثمِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَبَنِي سُلَيْمٍ فَانْتَهَى إلَيْهِمْ فَقَالَ مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: مُسْلِمُونَ قَدْ صَلّيْنَا وَصَدّقْنَا بِمُحَمّدٍ وَبَنَيْنَا الْمَسَاجِدَ فِي سَاحَتِنَا وَأَذّنّا فِيهَا قَالَ فَمَا بَالُ السّلَاحِ عَلَيْكُمْ؟ قَالُوا: إنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ مِنْ الْعَرَبِ عَدَاوَةً فَخِفْنَا أَنْ تَكُونُوا هُمْ وَقَدْ قِيلَ إنّهُمْ قَالُوا صَبَأْنَا وَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا قَالَ فَضَعُوا السّلَاحَ فَوَضَعُوهُ فَقَالَ لَهُمْ اسْتَأْسِرُوا فَاسْتَأْسَرَ الْقَوْمُ فَأَمَرَ بَعْضَهُمْ فَكَتّفَ بَعْضًا وَفَرّقَهُمْ فِي أَصْحَابِهِ فَلَمّا كَانَ فِي السّحَرِ نَادَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: مَنْ كَانَ مَعَهُ أَسِيرٌ فَلْيَضْرِبْ عُنُقَهُ فَأَمّا بَنُو سُلَيْمٍ فَقَتَلُوا مَنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ وَأَمّا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَأَرْسَلُوا أَسْرَاهُمْ فَبَلَغَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا صَنَعَ خَالِدٌ فَقَالَ اللّهُمّ إنّي أَبْرَأُ إلَيْكَ مِمّا صَنَعَ خَالد وَبَعَثَ عَلِيّا يُودِي لَهُمْ قَتْلَاهُمْ وَمَا ذَهَبَ مِنْهُمْ وَكَانَ بَيْنَ خَالِدٍ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَلَامٌ وَشَرّ فِي ذَلِكَ فَبَلَغَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ «مَهْلًا يَا خَالِدُ دَعْ عَنْكَ أَصْحَابِي فَوَاَللّهِ لَوْ كَانَ لَكَ أُحُدٌ ذَهَبًا ثُمّ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللّهِ مَا أَدْرَكْتَ غَدْوَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي وَلَا رَوْحَتَهُ».